كل عام و نحن جميعاً بخير
كل سنة و إحنا كلنا طيبين
فها هو عيد نصر أكتوبر 1973 قد آتي مرة أخري للمرة ال 45 في حياتنا . إلا أنه في هذا العام و أثناء إسترجاع عقلي للبطولات الفذة التي قام بها الجيش المصري و الشعب المصري خلال هذ الحرب وجدت نفسي أسال ::
ما هو دور الإبداع و الإبتكار ( اللذان هما جوهر ريادة الأعمال ) في نصر أكتوبر العظيم 1973 ؟
و بسرعة وجدت الإجابة فقد كانت الأجابة و اضحة وضوح الشمس ، و إذا بأدلة الإبتكار و الإبداع في نصر أكتوبر 1973 تتراص أمامي بدايةً من فترة التجهيز للحرب و المسماه حرب الإستنزاف إلي فترة الحرب نفسها ثم فترة ما بعد وقف إطلاق النار و التي شهدت نقض للإتفاق ( كعهد اليهود دائماً في نقض العهود ) و محاولة تحقيق مكاسب علي الأرض للتفاوض من عندها لولا إستبسال المصريين جيشاً و شعباً و إجهاضهم كل تلك المحاولات . و إليكم الأدلة كما يلي ::
الدليل الأول :: فكرة هدم الساتر الترابي و خط بارليف بمدافع المياه
يتكون خط بارليف الذي أقامه العدو الإسرائيلي بالضفحة الشرقية لقناة السويس من ساتر ترابي و نقاط حصينة و أنابيب نابالم ، و يعد الساتر الترابي هو نقطة الدفاع الأولي ضد اي هجوم بري يقوم به الجيش المصري فإرتفاع الساتر يبلغ 20 متراً و بزاوية ميل تبلغ 45 درجة مما يعني أن أي هجوم علي الضفة الشرقية لآبد أن يكون هجوم جوي للإستحالة صعود الدبابات و المركبات لساتر بهذا الإرتفاع و زواية الميل .
لهذا كان الشغل الشاغل للجيش المصري وقتها هو كيفية التغلب هذا الساتر الترابي و كيفية عمل فتحات به تعبر من خلالها الدبابات و المركبات . و لتوضيح مدي صعوبة حل هذه المشكلة يكفي أن نعرف أن الخبراء السوفيت قبل طردهم من مصر أخبروا القيادة المصرية أننا لكي ندمر خط بارليف بالكامل أمامنا حلان لا ثالث لهما ::
الحل الأول :: تدميره بالقنابل الذرية .
الحل الثاني :: إشتراك سلاح المهندسين السوفيتي و سلاح المهندسين الأمريكي معاً في تدميره .
و قد كان الحلان مستحيلان بالنسبة لنا إلا أن توفيق الله أراد لنا أن نسطر بيد النقيب مهندس باقي ذكي معجزة ستطيح بخط بارليف و الساتر الترابي نهائياً و بأقل التكاليف . فقد فكر النقيب مهندس باقي ذكي في إستخدام مدافع المياه التي تشبه مدفع المياه الذي يستخدم في إطفاء الحرائق في تجريف خط بارليف فالساتر مكون من تراب و ضخ المياه بقوة في هذا الجسم الترابي يزليه تماماً و يذيبه و قد سبق له إستخدام هذه الفكرة في إزالة الصخور و تفتيتها أثناء عمله كمهندس في بناء السد العالي ، و في هذه اللحظة قدم فكرته لقادته الذين درسوها جيداً جداً و جربوها العديد من المرات و كانت النتائج كلها ممتازة ، ثم تم تصعيد الفكرة إلي قيادة الجيش التي أعتمدتها بعد تجربتها مئات المرات بدون مبالغة علي المحاكيات . و تم التكتم علي الفكرة و في يوم 6 أكتوبر 1973 فؤجي العدو الإسرائيلي بخط بارليف و الساتر الترابي يذوب و ينصهر و يسقط في مياه قناة السويس بل و الأدهي من ذلك شق الساتر الترابي لعمل ممر لجسور الكباري و التي بلغ عدد 60 فتحة في جسم الساتر مما شكل وسيلة ممتازة لسرعة عبور الدبابات و المركبات للضفة الشرقية لقناة السويس و سيناء .
الدليل الثاني :: تدمير المدمرتين ” إيلات ” و ” يافو “
هناك قانون في الحروب البحرية وهو أن القطع البحرية الكبيرة لا تدمرها إلا القطع الكبيرة إلا أن واقعة تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات قلب موازين الحروب البحرية في العالم كله و تغيرت هذه النظرية . ففي يوم 20 أكتوبر 1967 قامت المدمرتين ” إيلات ” و ” يافو ” بالدخول للمياه الإقليمية المصرية و العربدة بها بالقرب من مدينة بورسعيد بشكل مستفز ، ساعتها صدرت الأوامر بتدميرأي هدف معادي يدخل المياه الإقليمية المصرية و عند دخول المدمرة ” إيلات ” و التي كانت تعد درة البحرية الإسرائيلية فقط في وقتها للمياه الإقليمية المصرية صدرت الأوامر بمهاجمة إيلات من خلال لنشي الصواريخ و هما لنش 504 بقيادة النقيب بحري أحمد شاكر ، و لنش 501 بقيادة النقيب بحري لطفي جاد الله ، علي الفور خرج اللنشين في تشكيل قتال و فور رؤية أحد الهدفين و قد كان المدمرة ” إيلات ” علي رادار اللنش 504 قام النقيب بحري أحمد شاكر بإطلاق الصاروخ الأول في تمام الساعة 5.27 مساءً و الذي أصابها و جعلها تميل علي جانبها الأيمن و للقضاء عليها أطلق صاروخاً ثانياً في تمام الساعة 5.28 مساءً الذي أصابها في منتصفها تماماً فأغرقها تماماً و خسرت معها البحرية الإسرائيلية 47 قتيل و 97 جريح بالإضافة إلي تدميرة سفينة عالية التسليح مثل المدمرة إيلات و تدمرها قطع صغيرة مثل لنشات الصواريخ عدد أفراد طاقمها لا يزيد عن 10افراد .
و أثناء عودة اللنشين للقاعدة البحرية تم رصد وجود هدف كبير آخر و كان هذا الهدف هو المدمرة ” يافو ” التي قدمت لنجدة بحارة المدمرة ” إيلات ” ، ساعتها صدر الأمر بمهاجمتها و تدميرها من خلال لنش الصواريخ 501 بقيادة النقيب بحري لطفي جاد الله الذي توجه إليها مباشرة بمفرده و أطلق عليها صاروخين أغرقاها تماماً في تمام الساعة 7.40 دقيقة مساءً .
ملحوظة هامة للغاية :: العدو الإسرائيلي إلي الآن ينكر غرق المدمرة ” يافو ” إلا أن جميع العاملين في البحرية الإسرائيلية و المصرية و البريطانية يعلمون أنها أغرقت مع إيلات يوم 21 أكتوبر 1967 .
الدليل الثالث :: الفرد المقاتل في مواجهة الدبابة
في الحروب العسكرية من المتعارف عليه أن الدبابة لا تدمرها إلا دبابة مثلها او علي الأقل عربة مجنزرة أما أن يقوم فرد مقاتل و معه سلاح خفيف شخصي مثل مدفع الار بي جي فهذا أمر لم يحدث قبل نصر أكتوبر 1973 . فقد أستطاع افراد الجيش المصري تطويع مدفع خفيف يستخدمه الأفراد و هو مدفع الأر بي جي في تدمير دبابات العدو الإسرائيلي من خلال التصويب علي نقطة ضعف الدبابة و هي أسفل برجها مما يصيبها و يجعلها غير قادرة علي مواصلة عملها . و إستطاعوا أيضاً إستخدام نفس السلاح في تدمير دبابات العدو الإسرائيلي من خلال إصابة جنزير الدبابة و جعلها غير قادرة علي السير .
ملحوظة :: قد يقول البعض ممن يقرأون هذا المقال أن الدليل الثاني مشابه للدليل الثالث و لكن الرد هو أن قد يكون هناك عنصر واحد مشابه و هو القطعة الكبيرة أما وسيلة التدمير فمختلفة و بيئة القتال مختلفة أيضاً ، فوسيلة التدمير في الأولي لنش صواريخ أما في الثانية فمدفع آر بي جي ، أما البيئة في الدليل الثاني البحر و البيئة في الدليل الثالث البر .
الدليل الرابع :: قياس المد و الجزر
كان وجود مانع مائي و هو قناة السويس عائقاً أمام القوات التي ستهجم علي خط بارليف و من المعروف أن قناة السويس يحدث بها ظاهرة بحرية اسمها المد و الجزر و وجود هذه الظاهرة يعدعائقاً في حد ذاته إذ كيف سيتم فرد الكباي المعدنية بدون إحتساب مستوي إرتفاع و إنخفاض مياه القناة أثناء حدوث هذه الظاهرة و بما انه لم يكن هناك طريقة لقياس المد و الجزر بالأجهزة بالضفة الشرقية لذا لم يكون هناك سوي طريقة واحدة إبتكرها أفراد الجيش المصري و هو عبور أفراد للضفة الشرقية و الوقوف علي الشاطيء و قياس مستوي وصول الماء لملابس الجندي المصري و التعليم عليه بالقلم الجاف ( يعلم بالقلم الجاف علي البنطلون بتاعه ) ثم يرجع لوحدته و يسجل مستوي المياه و يتكرر ذلك خلال 365 يوم أي طوال السنة و بطول قناة السويس البالغ 160 كيلو متر .
و إلي اللقاء في الجزء الثاني
أحمد الخولي
6 أكتوبر 2018