مقال للدكتور مهندس / نبيل شلبي
طرحت هذا السؤال على الحضور الذين كانوا يستمعون لكلمتى بالمؤتمر الدولى الأول للإبداع وريادة الأعمال الذي عقد بالقرية الذكية، وأوضحت أنه إذا كانت الحاجة أم الاختراع فإن التمويل هو أبوه والحاضنة هى بيته وملاذه ، حيث يحتاج الاختراع إلى الدعم المادى والفنى والبيئة المناسبة لمزيد من التجارب وخروجه إلى حيز الوجود. لقد حمل العرب دومًا كنزً وتاريخ عظيمين من الإبداع والمعرفة فى الوقت الذى كان الأوربيون غارقين فى ظلمات الجهل وأمريكا لم ُتكتَشف بعد، فهناك الألجوريثم الذى يدرسه كل مبرمجى لغات الكمبيوتر فى العالم والمُحرَّف من (الخواريزم) نسبة إلى مبتكره عالمنا العربى الخوارزمى وغيره من عشرات الأمثلة.
وسبحان الله (البديع) وهو اسم من أسماء الله الحسنى، فهو الخالق المصور الذى خلق المخ البشرى حيث مكان الفكر والذاكرة ومركز الإحساس والتعلم. متوسط وزن المخ البشرى 1.3 إلى 1.4 كيلو جرام من المادة الحية، ويمكنه العمل بحوالى 20% من طاقته وقدرته العقلية. به ما يزيد على ألف مليون خلية، ويخزن ألف معلومة جديدة كل ثانية. بحجمه الصغير يتفوق على حاسب آلى وزنه عشرة أطنان، ويتحكم فى القدرة على استخدام اللغة والحساب والمنطق والتحليل، كما يتحكم فى قدرة الإنسان على الحدس والتنبؤ والتصور والتخيل والرؤية والإبداع.
ولكن ما فائدة الاختراع إذا كان حبيس الأدراج، أو لم يجد البيئة الخصبة التى تخرج به إلى النور؟. لقد قابلت منذ أعوام قليلة فى مملكة البحرين أحد المهندسين المصريين الذى يعمل معيدًا بإحدى الجامعات بالقاهرة، ضمن مسابقة دولية نظمتها منظمة التعاون الاقتصادى الأوروبى وكان لدى الشاب نموذج أولى لجهاز قياس نسبة السكر بالدم (غير اختراقي) بمعنى عدم احتياج المريض للوخز بالإبرة. بينما يبحث هذا العالِم الشاب إلى جهة تحتضن فكرته. ولنا أن نعرف، أنه ضمن سبعة آلاف حاضنة أعمال وتكنولوجيا حاليًا بالعالم، هناك أقل من ثلاثين حاضنة فقط تعمل حاليًا بالدول العربية الاثنتين والعشرين، وأنه فى عام 2011 م وحده ساعدت حاضنات أمريكا فى بدء تشغيل 49.000 شركة وظفت أكثر من 200.000 عاملًا وأدخلت إيرادات سنوية قدرها 15 بليون دولار، كما تقلل حاضنات الأعمال المخاطر التى تؤدى إلى فشل المنشآت الصغيرة، ولى دراسة تفصيلية لأكثر من خمسة وثلاثين حاضنة حول العالم أكدت أن 86% من المشاريع التى تخرجت من هذه الحاضنات ما زالت تزاول نشاطها.
إن الكثير من المبدعين فى مصر يمتلكون أفكارًا واعدة يمكن أن تكون نواة لمشروعات جديدة غير تقليدية، ولكن كيف يتأتى ذلك مع وجود قصور من جهات يفترض أن تتبنى أفكار الشباب، بالرغم أن الاتجاه والرغبة المتنامية لتأسيس مشروعات من خريجى الجامعات والمدارس لإقامة مشروعات خاصة بهم فى تزايد مستمر لأسباب اقتصادية واجتماعية، منها عدم استيعاب القطاع الحكومى لهم والصعوبات التى يواجهونها لدى القطاع الخاص إضافة إلى الرغبة الشخصية لهم فى اقتحام مجال العمل الحر بما له من بريق خاص. إن التحدى الحقيقى الذى يواجه مجتمعاتنا هو ضرورة توجيه الدعم الكامل لاكتشاف المبتكرين والمبادرين القادرين على إنجاح مشروعات غير تقليدية رائدة يمكنها توليد مشروعات تسهم فى زيادة فرص العمل وقادرة على المنافسة فى الأسواق المحلية والدولية.
ولأننا فى عصر تتغير فيه الأشياء بسرعة مذهلة (مثلًا تويتر استغرق 3 سنوات وشهرين لأول مليار تغريدة، والآن تويتر يسجل مليار تغريدة كل يومين تقريبًا)، لا يوجد مكان للأفكار البالية التى لا تساير متطلبات الحياة للأفراد الذين تتزايد رغباتهم فى الاستمتاع بكل ما هو جديد، وينطبق هذا بجلاء على المنتجات الاستهلاكية أو الخدمية أو حتى السلع المعمرة التى يجب أن تتطور كل يوم لتفى بمتطلبات الأفراد والمجتمع. رائد الأعمال يجب أن يظهر ابتكاره الجديد فى سلعته وفى خدماته المختلفة، فالابتكار يُعد أهم العوامل فى نجاح المشروع، وهو مفتاح أية ميزة تنافسية، وقوة دافعة نحو تحقيق النمو. وفى ظل اقتصاد جديد يعتمد على المعرفة، تتزايد أهمية الابتكار والتحول من اقتصاديات السلع إلى اقتصاديات الأفكار، كما تتضح أيضًا أهمية تبنى الاختراعات والابتكارات التى يمكن أن تقوم عليها مشروعات استثمارية جديدة من خلال آليات مبتكرة، حيث يمكن لحاضنات الأعمال على سبيل المثال أن تتبنى ابتكار المستثمر وكأنه وليد يحتاج إلى الرعاية الفائقة، ثم تدفع به تدريجيًا بعد ذلك لأسواق العمل قويًا قادرًا على النماء ومؤهلًا للمستقبل ومزودًا بآليات النجاح.
أخيرًا. أتمنى لمصر بعد ثورة 25 يناير:
1 – هدم الحواجز البيروقراطية والروتينية، فهى العدو الواضح للإبداع وريادة الأعمال.
2 – توعية راغبى تأسيس مشروعات جديدة أو توسعة مشروعات قائمة من خلال الندوات وورش العمل والمؤتمرات والمعارض بصفة مستمرة بضرورة الابتكار والتجديد والابتعاد عن التقليد.
3 – نشر المراكز الريادية والحاضنات والمُسرِّعات، لنقل الأفكار الإبداعية من الحيز النظرى إلى حيز الوجود.
4 – تطوير برامج ومناهج وأساليب التدريس الحالية فيما يتعلق بالعلوم التقنية والفنية والتطبيقية، والبدء مما انتهى إليه الآخرون فى مجالات مثل تقنية المعلومات والاتصالات والتقنية الحيوية وتقنيات النانو والفمتو والهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعى وعلوم الفضاء وغيرها من العلوم الحديثة لخلق جيل جديد من المبدعين.
و إليكم بعض الصور الطريفة